الحلقة الأولى: تحويل التعلّم إلى أداء واقعيّ ملموس

“كلّما تعمّقت في التّدريس وأبهرَتني طالباتي في أدائهنّ، ازداد يقيني بأهميّة إعادة النّظر في تعليم هذه الموادّ النّظريّة بطريقة إبداعيّة، تُحاكي الواقع وتحوّل التّعليم إلى مادّةٍ حياتيّة، تُبرز المهارات وتُنمّي المواهب وتُصقل الشّخصيّات، عندها نستطيع القول أنّنا نُخرّج، بحقّ، متعلّم القرن الواحد والعشرين”   منيرة البابا

مقدّمة

شكّلت عمليّة التّعليم عن بُعد تحدّياً كبيراً لكلّ العاملين في الحقل التربويّ ، وبالأخصّ بالنّسبة لي ، فلقد كانت مثل جزيرة أقف على شاطئها، ومطلوب منّي استكشافها وسبر أغوارها بأدوات بسيطة ومعلومات قليلة.

وبدأ العام الدّراسيّ وبدأت التّحدّيات ..

كان التّحدّي الأكبر بالنسبة لي هو كيف سأنجح في كسر جمود التّعليم عن بُعد خاصّة أنّ الموادّ الّتي أدرّسها تعتبر مواداً نظريّة (التّاريخ والتّربية الوطنيّة والتّربية الإسلاميّة) لذا كان عليّ الاجتهاد في تحويل هذه الموادّ إلى موادّ تفاعليّة ومحفّزة للطّالبات، بحيث أستطيع أن أجعل من المتعلّم محور العمليّة التعلّميّة ولا يعود هذا الأمر مجرّد أوهام أو صفصفة كلام. وسوف تلمسون بأنفسكم كيف استطعنا تحفيز المتعلّم وإشراكه في عملية التعلّم ليكون مؤهلّاً للقب متعلّم القرن 21.

سنتناول في هذه الدّراسة الأنشطة الّتي قمنا بإعدادها ، ونجحنا من خلالها بالقيام بعمليّة تكامليّة بين موادّ التّاريخ والتّربية الوطنيّة والتربية الاسلاميّة والفنون ، وتحوّلت الحصص فيها إلى حصص ثقافيّة تغوص في الماضي لنستنتج منه ما يساعد على تحليل الحاضر فنُحسن بالتّالي التّخطيط للمستقبل، بالإضافة إلى أنّها تدعم مهارات المتعلّم فتنمّيها وتصقلها، وتساعده على استدعاء المعلومة متى أراد ذلك بكلّ سلاسة وانسيابيّة وبطرق عديدة.

ولعلّ أهمّ المبادىء الّتي تحقّقت من خلالها هي :

– تأمين بيئة آمنة للمتعلّم وإشعاره بثقتنا به بحيث يحفزّه ذلك على الاجتهاد والإبداع.

– تيسير تجربة متعلّم نشطة وعميقة.

– تصميم نواتج ومخرجات موازية (خاصّة المجال الوجدانيّ والمهاريّ).

– تحويل التعلّم إلى أداء واقعي ملموس.

– تحصيل المعرفة بشكل تلقائيّ بحيث لم يعد المتعلّم يشعر بثقل ذلك عليه.

– اكتساب المتعلّم مهارات القرن 21.

أرجو لكم رحلة ممتعة ومفيدة مع نتاج طئالباتنا العزيزات من مختلف الصفوف في الحلقة 3+4،

ضعوا حزام الأمان ولننطلق في محطات دراستنا هذه .

 

المحطة الأولى
اكتشاف مواهب المتعلّمات الفنيّة:

شكّل محور الدولة العثمانية مادّة غنيّة للعمل عليها، ولمسْتُ تفاعلاً كبيراً من المتعلّمات خاصّة من تتابع منهنّ المسلسلات التّاريخيّة التركيّة، بحيث كانت تربط ما تشاهده بما يتمّ عرضه في الحصّة وتمدّنا ببعض المعلومات الإضافيّة، وبرزت أيضًا مهارة العديد من المتعلّمات في الأنشطة الّتي ارتبطت بهذه الحضارة والّتي تناولناها في شرحنا مثال: فنّ المنمنمات. حيث أرسلتُ للمتعلّمات عبر الواتسآب فيديو يشرح كيفية رسمها بواسطة طالبةً منهنّ محاولةً تقليده، وكان التجاوب سريعاً ورائعاً.

ومن خلال هذا النّشاط اكتشفت مواهب بعضهنّ في الرسم خاصّة الطّالبة رزان وأتوقّع لها مستقبلاً في هذا الميدان … وهذه بعض النّماذج:

ولقد استعملت نفس الأسلوب في محور الحضارة الفرعونية وكنشاط ختامي للحصة تمّ عرض فيديو لطريقة رسم وجه فرعوني وكانت النتيجة جواً من المرح عند الطالبات.

المحطة الثانية
تعزيز روح الانتماء :

فاجأتني إحدى الطّالبات من الصفّ الثامن ( آلاء.ب ) عندما عرضت عليهن فيلم معركة عين جالوت، إذ قامت بسحب الصوت الأصليّ وإعادة تسجيله بصوتها، وقد أشادت زميلاتها بذلك وعلّقن أنّ شرحها كان أفضل من المعلّق الأساسيّ على الفيديو، ثم قدّمت لنا فيديو آخر من إعدادها حول سيرة حياة خير الدين بربروسا، وكان عملاً رائعاً خاصة كلمات الخاتمة الّتي أنهت بها العرض، وقد تبيّن لي من خلال أعمالها أنها تحبّ هذه الأمور التقنية، كما لمست فيها انتماءها الكبير إلى هذا الدين وحبّ الاطلاع على الحضارة الإسلاميّة، ولقد أشارت أنّ هذه الأنشطة ساهمت في تطوير مهاراتها التقنيّة ومهارة الإلقاء، وزادت من ثقتها بنفسها وحفّزتها على القراءة والمطالعة.

وتعلّق آلاء على ذلك فتقول : إنّ الأنشطة التي شاركتُ فيها(مثل معركة جالوت و بربروسا) قد ساهمت في تقوية  مهارة البحث و الإبداع لإيجاد أفكار جديدة لديّ وأكسبتني بعض المهارات  التقنية الجديدة، أمّا على الصعيد الشخصي فقد زادت من ثقتي بنفسي ومن قدرتي على إعداد هكذا أنشطة مهما كانت مجهدة ، فتعب الجسد كان يزول أمام متعة العمل والشعور بالفخر والفرحة عند إنهاء العمل ورؤية ما أنجزته.

ثمّ عرضْتُ على إحدى الطالبات من الصف الثامن أيضاً ( سمية.د ) إعداد فيديو حول قصة السيدة عصمت الدين خاتون، لما رأيت في الطالبة من تأثّر بدور المرأة في نهضة الأمّة، و خاصة نساء فلسطين، فأحبّت الفكرة وتفاعلت كثيراً معها وكان نتاجاً رائعاً أظهر لنا مهارتها في الإلقاء وإتقانها لمخارج الحروف وحفزّها على العمل بحيث ارتفعت درجاتها في الموادّ التي أدرسها لها.

 

وقد شاركتنا سمية بهذا الرأي حيث قالت:كانت طريقة شرح المعلمة سلسة ويسيرة وممتعة في الوقت نفسه، واستفدت كثيراً من الأمثلة التي كانت تطرحها .كذلك من الجلسات النقاشية وبالفعل بدأت تتطوّر عندي مهارة النقاش والتحليل والحفظ…وحين تمّ اختياري لتقديم نشاط خاص يتمحور حول  شخصية “عصمت الدين خاتون”، سارعت بقبول المشاركة.

ومن خلال هذا النشاط أدركت أهمية الاسترشاد بهكذا نماذج و أهمية اسقاطها على واقعنا روحانياً وتربوياً وفكرياً، لأنّ هذا سيكون له دور في إنشاء جيلٍ واعٍ ومثقفٍ يساهم في نهضة الأمّة.

المحطة الثالثة
أنشطة تمثيلية حوارية :

لعلّ أجمل ما في التاريخ، إمكانية تأليف حوار للتمثيل يجذب الطالبات ويرتبط بالأحداث التي نتناولها، لذا قمت مع طالبات الصف العاشر بكتابة حوار يتناول قصة العالم موريس بوكاي وقصة اسلامه من خلال ما توصل له في أبحاثه حول فرعون موسى، وبالفعل أبدعت الطالبات في التمثيل ونال هذا (الاسكتش) استحسان المعلمات والمتعلّمات، وبرزت مهارة البعض في التمثيل والأداء، وكان أيضاً عامل جذب للطالبة ( مرام ) التي كانت لا تحبّ التاريخ إلّا أنهّا من خلال مشاركتها في التمثيل قالت:

(لقد شجعني على حب المادة وغيّر نظرتي إليها).

أما في صف الحادي عشر فقمت بتأليف (اسكتش) حواري أسميته ” لقاء القادة ” وهو عبارة عن لقاء تلفزيوني حواري مع بعض قادة الحرب العالمية الثانية “هتلر وموسوليني” استعرضنا من خلاله جوانب أخرى لهذين القائدين، وقد أظهرت الطالبات المشاركات في العمل مهارة كبرى في التمثيل والأداء لفتت أنظار كل من شاهده، ونجحنا في تحويل دروس التاريخ إلى مادة واقعية نغوص فيها في الماضي السحيق ثم نربطها بواقعنا ونقفز منها إلى مستقبلنا برؤية واضحة وفكر مستنير، ولقد أشارت المتعلمات المشاركات إلى أن هذا النشاط جعل المعلومة متوطّنة في عقولهن بحيث لن ينسوها أبداً وحوّل الدروس إلى مادة واقعية حياتية، ولم تعد هذه الشخصيات مجرد سطور تحتويها الكتب بل أضحت واقعاً موازياً لهنّ من خلال اسكتشافهنّ لجوانبها الحياتية، وعدم اقتصار معرفتهنّ على جوانبها السياسية والعسكرية بعد تحليل الشخصية من خلال هذا النشاط وتمكّنهنّ من استدعاء المعلومة بسرعة .

وصلنا الآن إلى محطة الاستراحة، وسنتابع تجوالنا على باقي المحطات في الاسبوع القادم بإذن الله..

نفع الله بنا وبكم الأمة وجعل لنا سهماً في نهضتها.. دمتم في أمان الله ورعايته.

إعداد وكتاية : الأستاذة منيرة البابا

معلمة مادة التاريخ

مدرسة الأفق الجديد

صيدا / لبنان

4 Comments
  • Reply Rana Saleh

    October 26, 2021, 4:09 am

    أعطاك الله ألف عافية وزادك همة ونشاطًا وإبداعًا، ونفع بك البلاد والعباد

  • Reply زهره أخضر قبرصلي

    October 26, 2021, 12:27 pm

    أفكار وأنشطه رائعه حولت المواد النظريه التي لا يحبها الكثير من التلاميذ الى مواد ممتعه من حيث المضمون وطريقه الفهم والأجمل أنها عملت على اكتشاف مواهب التلميذات
    وميولهن

  • Reply نجوى سوادي

    February 1, 2022, 11:25 am

    ماشاء الله تجربة رائعة وهذا بالضبط مانبحث عنه بالتفاعل مع المعلومة وترسيخها من خلال تجربةة المعايشة للمتعلم ونقل من علم نظري الى عملي واكسابه مهارات تبني الانسان الواعي والنافع لنغسه ولمجتمعه

  • Reply نجوى سوادي

    February 1, 2022, 4:48 pm

    ماشاء الله بالفعل تجربة متميزة وهذا ما نبحث عنه بتفعيل العملية التعليمية وتحويل المعلومات الى مهارات و اسقاطها على الواقع وترك الاثر العميق في شخصية المتعلم وتكوينها مع ملائمتها للعصر بشكل رائع مع الحفاظ على القيم الاصيلة

Write a comment