المقدمة
الدكتورة أسماء المزروعي، طبيبة سعودية، تعمل استشارية في طب حديثي الولادة وطب أعصاب حديثي الولادة، وتشغل منصب مديرة برنامج الزمالة في طب حديثي الولادة والخدج في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة، المملكة العربية السعودية. حصلت على زمالة في طب حديثي الولادة من جامعة ويسترن بكندا، ثم زمالة في طب أعصاب حديثي الولادة من جامعة تورونتو، مما منحها خلفية تخصصية عميقة في التعامل مع الحالات الدقيقة والمعقدة في هذا المجال. تعرّفت على إطار FIRSTmed-ADLX في يناير 2025 خلال رحلة تعلم بعنوان رحلة تأهيل الميسر باستخدام إطار فيرست FIRSTmed-ADLX Facilitator عُقدت في المركز الطبي الدولي (IMC)، وقد وجدت فيه استجابة عملية ومتكاملة لتحديات التدريب السريري.
كان التحدي يتمثل في وجود إحدى طبيبات الزمالة التي لم تتمكن، بعد مرور ثلاث دورات تقييمية، من تحقيق المؤشرات الأساسية التي تؤهلها للترقية إلى مستوى «زميلة أولى». هذه الفجوة في الأداء أثّرت على ثقتها بنفسها، وأثارت مشاعر من الإحباط انعكست على مشاركتها في المناوبات والأنشطة التعلمية، وقلّلت من تفاعلها داخل الفريق. ورغم ذلك، كشفت هذه الأزمة عن فرص خفية لإعادة التمكين والدعم الفردي. وبوصفها مديرة البرنامج، قررت د. أسماء تحويل هذا التحدي إلى فرصة تطور شاملة، من خلال تصميم وتيسير تجربة معايشة متعلم نشطة عميقة باستخدام إطار فيرست، واستعانت بالتحقق والتقويم المستمر والمراجعة النشطة لإتمام المهمة.
استهدفت هذه التجربة طبيبة واحدًة بصورة رئيسية ضمن مجموعة الزمالة، لكنها شملت أيضًا اثنين من زملائها في العام الأول، جميعهم يعملون في مركز حكومي أكاديمي، وتتراوح أعمارهم بين 32 و36 عامًا. توافرت لديهم الموارد التكنولوجية والطبية، إلى جانب بيئة سريرية متقدمة، مما أتاح تنفيذ تدخل تعليمي مخصص وعالي الجودة.
نظرة عامة على التصميم
تم اختيار إطار فيرست FIRSTmed-ADLX لأنه يقدم نموذجًا متكاملاً يركّز على سلوكيات المتعلم وتفاعله مع الفريق، ويعزز المراجعة النشطة والتسلسل المنطقي للأنشطة، وينقل أثر التعلّم إلى ميدان الأداء الواقعي. ومما يميز هذا الإطار عن غيره هو أنه لا يقتصر على نقل المعرفة، بل يعمل على تغيير عقلية المتعلم وتنمية مهاراته القيادية والمهنية. وقد تم تصميم مخرجات التعلم ASK (الوجدانية والمهارية والمعرفية) لتقييم جاهزية المتعلمة للتقدّم إلى المستوى التالي من المسؤولية السريرية.
من خلال دمج أدوات التقييم البنّاء، وتقديم التغذية الراجعة المنتظمة، وتيسير جلسات تأمل فردية، تم تصميم تجربة معايشة متعلم نشطة عميقة شكلت خطة دعم فرديّة استهدفت بناء الثقة وتحفيز الدافعية الذاتية. وتمت جدولة ست لقاءات تعلم منظمة، بالإضافة إلى ثلاث ورش محاكاة مكثفة، موزعة على فترة ثلاثة أشهر. شملت الأنشطة: مناقشات حالات، تعلّم سريري، محاكاة واقعية عالية الجودة، وتأملات كتابية.
مخرجات التعلم:
جاءت مخرجات التعلم على الشكل التالي:
الوجدانية:
-
- أن تستشعر قيم المسؤولية والمرونة الذهنية وعقلية النمو.
- أن تعي أهمية سلامة المريض والتعلم المستمر.
- أن تدرك أهمية التعاون والانفتاح على التغذية الراجعة.
- أن تدرك أهمية تحسين الجودة ومتابعة الأداء بشكل منهجي.
المهارات:
- أن تحسن مهارات اتخاذ القرار تحت الضغط في الحالات الحرجة.
- أن تتقن المهارات الإجرائية مثل التنبيب ووضع الخطوط والإنعاش.
- أن تطور مهارات القيادة والتنسيق داخل وحدة العناية المركزة.
المعرفة:
- أن تفهم بعمق فيزيولوجيا حديثي الولادة والتدخلات المبنية على الأدلة.
- أن تعدد أدوار CanMEDS وحالات دمجها في الممارسة اليومية.
نتائج موازية:
- ان يرتفع وعيها الذاتي بنقاط القوة ومجالات التحسين.
- ان تزيد دافعيتها الداخلية لتحقيق الكفاءات المطلوبة على مستوى استشاري.
ملخص تصميم الرحلة:
امتدت الرحلة على مدار ثلاثة أشهر، وتضمنت لقاءات تعليمية مباشرة وورش محاكاة وأنشطة تأمل فردي. تم التدرج من التعلم القائم على الملاحظة، إلى التنفيذ تحت إشراف، ثم إلى إدارة جزئية للحالات كمقدمة لتحمّل مسؤولية الزميل الأول. تم المزج بين التعلّم المتزامن (في الموقع) والمهام غير المتزامنة، مثل قراءات موجهة وتدوين تأملات بعد كل مناوبة. نشارك بعض الأنشطة التي صممت باستخدام نموذج رار RAR.
النشاط الأول: محاكاة لحالات حرجة في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة
في مرحلة زيادة تم تزويد المتدربة بالسيناريوهات السريرية مسبقًا، مع توجيهها إلى مراجعة المصادر ذات الصلة. كما تم توفير بيئة مشجعة من خلال طمأنتها وتوضيح التوقعات بدقة.
أثناء التيسير، شاركت المتدربة في محاكاة عالية الواقعية حول إنعاش حديثي الولادة، وكانت هي القائدة في إدارة الحالة وتنظيم الفريق.
في مرحلة المراجعة النشطة، شاركت المتدربة ما قامت به من خطوات، مثل إدارة مجرى الهواء وتوزيع المهام على الفريق. ناقشت أهمية هذا النشاط في تعزيز ثقتها بنفسها، وتحسين تواصلها تحت الضغط، وتسريع اتخاذ القرار. كما خططت لتطبيق هذه المهارات في المناوبات الفعلية وتقليل فرص الخطأ.
النشاط الثاني: مراجعة تأملية لحالات سريرية
في مرحلة زيادة الجاهزية، طُلب من المتدربة اختيار حالة سريرية من الواقع العملي واجهت فيها تحديات في اتخاذ القرار، ثم قامت بتحليلها مسبقًا.
خلال التيسير، تم عقد جلسة حوار تأملي فردية مع الميسّرة، ناقشت فيها نقاط القوة والثغرات، وتفاعلت مع التغذية الراجعة بشكل منفتح.
أما في مرحلة المراجعة النشطة، فقد استعرضت المتدربة القرارات التي اتخذتها وأثرها على سير الحالة، ثم استخلصت دروسًا قابلة للتطبيق في مواقف مشابهة مستقبلاً، ووضعت خطة عملية لتحسين أدائها في الحالات المعقدة القادمة.
تطبيق مجالات إطار فيرست الخمسة
F- التركيز على المتعلم
قامت الميسّرة بتخصيص التغذية الراجعة لتلائم احتياجات المتدربة بعد كل جلسة. استخدمت أسئلة تحقق لقياس قدرتها على التحليل السريري، وساعدتها على التعرف إلى الفجوات المعرفية. كما شجعتها على تبنّي التعلّم الذاتي وتحمل مسؤولية تحسين أدائها استنادًا إلى التغذية الراجعة المستمرة.
I – التفاعل الإيجابي خلال تجربة المعايشة
تم تعزيز بيئة داعمة ومشجعة خلال جلسات المحاكاة من خلال التشجيع الإيجابي وتقبّل الخطأ كفرصة للتعلم. شجعت الميسّرة النقاشات المفتوحة بين الزملاء والتمريض لتقوية التواصل الجماعي. كما تم تعزيز الدافعية عبر تسليط الضوء على التقدّم المرحلي خلال التقييمات.
R – مراجعة الأنشطة وفق نموذج RAR
طبقت الميسّرة نموذج RAR في الأنشطة الأساسية كافة، مما ضمن انتقال المتدربة من زيادة الجاهزية الذهنية إلى التطبيق، ثم إلى مراجعة التجربة بعمق. أفضى ذلك إلى ربط النظرية بالتطبيق العملي، وإلى تعلّم قائم على التأمل والمعايشة.
S – التسلسل والانسيابية في الرحلة
تم تنظيم الرحلة بتدرّج منطقي بدأ بالتظليل السريري ثم الممارسة تحت إشراف، وصولًا إلى لعب دور «الزميلة الأولى» في حالات منتقاة. جرى تكرار المفاهيم الأساسية مثل بروتوكولات تثبيت الحالة من خلال أنشطة متنوعة (محاكاة، مراجعة حالات، تعليم سريري). وتم في نهاية كل لقاء تلخيص النقاط المفتاحية لضمان رسوخ المفاهيم.
T – تحويل التعلّم إلى أداء واقعي ملموس
ارتبط التعلّم بسياق NICU الواقعي من خلال السماح للمتدربة بتطبيق المهارات الجديدة في نوبات تحت إشراف مباشر. أُجريت جلسات متابعة دورية لتقييم التقدّم وتثبيت المهارات. وتم تعزيز الفهم من خلال تعريضها مرارًا لحالات معقدة حتى استوفت مؤشرات الأداء المطلوبة.
الخاتمة
أثر الرحلة على المتعلمة: خلال الأسابيع الاثنتي عشرة، أظهرت المتدربة نموًا ملحوظًا في عدة مجالات: أصبحت قراراتها السريرية أكثر دقة، وتحسّن أداؤها في المناوبات الليلية، وأظهرت استقلالية أكبر في التعامل مع أجهزة التنفس وتعديل الأدوية. لوحظ تطور في مهاراتها القيادية والتواصلية داخل الفريق، وازدادت وعيًا بذاتها وباحتياجاتها التطويرية. وقد صرّحت المتدربة:
“أشعر اليوم بثقة أكبر في مواجهة الطوارئ، وأعلم أن لدي المعرفة والنظام الداعم لاتخاذ قرارات مدروسة.”
أثر الرحلة على الميسّرة: أعادت التجربة تشكيل رؤية الميسّرة حول أهمية التغذية الراجعة اللحظية والتدريب التأملي. فأصبحت أكثر وعيًا بقوة التحقق والتقويم المستمر وأثره التراكمي، كما دمجت أدوار CanMEDS ضمن التقييمات اليومية. تخطط د. أسماء لتوسيع أنشطة المحاكاة وتفعيل مشاركة الفريق متعدد التخصصات في التعلّم.
أثر الرحلة على المجتمع المحيط: تحسّن أداء المتدربة انعكس مباشرة على جودة الرعاية في وحدة العناية المركزة، مما عزّز من سلامة المرضى وفاعلية التدخلات. كما أصبح نموذج التعلّم هذا مرشحًا للتطبيق مع زملاء آخرين في البرنامج، مما يرسّخ ثقافة التوجيه الفردي والنمو المستمر.
خاتمة:
تُظهر هذه التجربة كيف يمكن لتجربة معايشة متعلم فريدة مخصصة لمتعلم معين ومبنية على إطار فيرست من أن تبدّل مسار متعلمة من التردد إلى الثقة، ومن التلقّي إلى القيادة. لقد أثبتت هذه التجربة أن التمكين لا يحدث بالمحتوى وحده، بل بالنية، والمتابعة، وصدق التوجيه.